سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم بقلم رواة وكُتاب السيرة الافاضل... الفصل السابع ..ج5
الاخوة الاعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وتقبل الله صيامنا وكافة اعمالنا الصالحة
.........
كنا قد سردنا في الجزء الرابع من الفصل السابع
ماحدث في غزوة تبوك وقصة الذين تخلفوا وتاب الله عليهم
وبعض مواقف اصحاب رسول الله في تلك الغزوة
نصل الي هذا الجزء الخامس من الفصل السابع
ونتحلق حول مائدة السيرة لنكمل معرفة ارسال زيد بن حارثة لأحد الغزوات للروم.....وايضا ماحدث في حجة الوداع ...
وابتدأ الفصل الاخير من حياة الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم بظهور شكوته من المرض
وما دار فيها من احداث مهمة .....
وكالمعتاد ودائما نقول ونبتديء حديثنا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي اشرف مخلوق
حجة الوداع في آواخر( السنة العاشرة للهجرة النبوية الشريفة )
وخطبة عرفة
قال أبن إسحاق :
فلمّا دخل على الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،العام ذو القعدة ، تجهز للحج وأمر الناس الاستعداد بالجهاز له ،
وكان ذلك لخمس ليالٍ بقين من ذى القعدة ،....
فاستعمل على المدينة( أبا دُجانة الساعدي ) ،...
فحج الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، في هذا العام ، فأرى للناس مناسكهم وأعلمهم بسُنن حجهم ، وخطب في الناس خطبته التي بيّن فيها مابيّن ، فحمد الله واثني عليه حيث قال :
( في خطبة الوداع )
أيها الناس :
اسمعوا قولي ، فأني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلي أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدَّها إلي من أتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رءوس أموالكم ، لا تظلون ولا تُظلمون ، قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا العبّاس بن عبد المطلب موضوع كله ، وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وأن أول دماءكم أضع دمُ هُذيل ، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية
أما بعد أيها الناس :
فإن الشيطان قد يئس من أن يُعبد بأرضكم هذه أبداً ، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك ، فقد رضي به مما تُحقرون من أعمالكم ، فاحذروا على دينكم .
أيها الناس :
إن النسيء زيادة في الكفر يُضَلُّ به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما أحل الله ، وإن الزمان قد أستدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله أثناء عشر شهراً ، منها أربعة حُرم ، ثلاثة متوالية ورجب مُضر
(أي رجب الذي يأتي بين حمادي الثاني وبين شعبان ، وليس رجب ربيعة الذي تسميه رمضان ، فقد كانت تحرمه ..) ،
أما بعد أيها الناس :
فإن لكم على نسائكم حقاً ، ولهُنّ عليكم حقاً ، لكم عليهن أن لا يوطئن فُرشكم احداً تكرهونه ، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهنّ في المضاجع وتضربوهنّ ضرباً غير مُبرح ، فأن انتهين فلهن رزقهنّ وكُسوتهُنّ بالمعروف وأستوصوا بالنساء خيراً ، فأنهُنّ عِندكم عوان ( أسيرات ) ، لا يملكن لأنفُسِهِنّ شيئاً ، وإنكم إنما أخذتموهُنّ بأمانة الله وأستحللتم فروجهُنّ بكلمات الله ، فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تُضلوا أبداً ، أمراً بننا كتاب الله وسنة نبيه ) .
أيها الناس :
( اسمعوا قولي واعقلوه ، تعلمون أن كل مسلم أخ للمسلم ، وإن المسلمين إخوة ، فلا يحل لإمرءي من أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تضمن أنفسكم ، اللهم هل بلغت ..؟ ) ، فقالت الناس :
اللهم نعم ، فقال الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، :اللهم أشهد ...
ثُمّ نادى ربيعة بن أُمية بن نخلف ، وكان جهوري الصوت ، فقال له :
( قُل يا ربيعة وأسمع الناس ، قُل أيها الناس إن رسول الله
( صلي الله عليه وسلم ) ،يقول : هل تدرون إي شهر هذا ..؟ )
فيقول لهم ، فيقولون الشهر الحرام ...
فيقول :
( قُل لهم أن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلي أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا ، قُل أيها الناس إن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) )،يقول :
( هل تدرون أي بلد هذا ..؟ ) ، فيقولون : البلد الحرام ، فيقول :
( قُل لهم أن الله قد حرم عليكم دمائكم وأموالكم إلي أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا ) ، ثُمّ يقول :
( قًل أيها الناس إن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،يقول : هل تدرون أي يوم هذا.؟ ) ، فيقولون : يوم الحج الأكبر ، فيقول :
( قٌل لهم : إن الله قد حرّم عليكم دمائكم وأموالكم إلي أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ) ....
وعن عمر بن خارجة أنه قال :
كنت واقفاً بعرفة بجانب ناقة الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، فسمعته يقول :
أيها الناس ، إن الله قد أدى إلي كل ذي حق حقه ، وأنه لا يجوز وصيّة لوارث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ومن أدّعى إلي غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبل منه صرفاً ولا عدلاً ...
وقد بين الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،تعاليم ونُسك الحج ،
فبدأ بعرفة حيث قال:
(هذا الموقف ، للجبل الذي عليه ، وكل عرفة موقف ) ، وعن المزدلفة قال :
( كل مُزدلفة موقف ) ، ثُمّ لمّا نحر بالمنحر بمني قال:
( هذا المنحر وكل مني منحر ) ...
فقضي الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم ) ، الحج وقد أراهم مناسكهم وأعلمهم ما فرض الله عليهم من حجّهم من الموقف ورمي الجمار ، وطواف بالبيت ، وما أحل لهم من حجّهم ، وما حُرّم عليهم ، فكانت حجة البلاغ وحجة الوداع هذه ، وتأتي أهميتها في أنها أصبحت المرجع لكافة المسلمين ، في كل شيء ، في المعاملات وفي الخطوات الواجب إتباعها في الحج ، لذلك أصبحت من أهم الأحداث التي حصلت للمسلمين ، فقد بيّن فيها كل ما يحتاجه المسلم ، في حجه وفي النُسك الواجب إتباعها ، للوصول للحج الكامل الذي يرضي عنه الله سبحانه وتعالي ورسوله الكريم و( صلي الله عليه وسلم ) ،
ذلك أن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، لم يحج بعدها ......
بعث أسامة بن زيد بن حارثة ( إلي أرض فلسطين )
وهي آخر بعوث الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
قال أبن إسحاق :
وبعث الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، في السنة العاشرة للهجرة النبوية الشريفة ، إسامة بن زيد بن حارثة ، إلي الشام ، وأمره أن يؤطىء الخيل بمشارف البلقاء والروم ، من ل أرض فلسطين ،فتجهز الناس وأسل الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، معه المهاجرون الأوائل ، ولكن عندما أشتكي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، من مرضه الذي توفي فيه ،
استبطأ الناس ( أجّلوا ) وقعدوا ينتظرون ماذا سيحل بالرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، فلمّا سمع بهم ، وهو في وجعه وبأنهم يقوا ينتظرون الخروج مع أسامة بن زيد ، إلي أرض فلسطين ، خرج إليهم وهو عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وقد قالت الناس في أمر أسامة بن زيد ، أنه صغير السن وحدث وهناك من هم أكبر منه من المهاجرين والأنصار ، ولهم القدرة والخبرة في قيادة الجيش .
فصعد النبي الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،المنبر وقال لهم بعد أن حمد الله وأثني عليه بما هو أهل له ، ثُمّ قال:
( أيها الناس ، أنفذوا بعثة أُسامة ، ...
فلعمري لئن قُلتم في إمارته ( تكليفه بقيادة الجيش ) فقد قُلتم في إمارة أبيه من قبل ، وإن أسامة لخليق ( يستحق) الأمارة ، وإن كان أبوه لخليقاً لها ) ....
ثُمّ نزل من على المنبر ، فأسرعوا الناس في تجهيز الجيش وأعداده للخروج ، وأستمر الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ،في وجعه ، فخرج أسامة وخرج الجيش معه ، حتى نزلوا في موقع يقال له ( الجُرف ) يبعد عن المدينة مقدار فرسخ .
فضرب عسكره ، واجتمعت له الناس للخروج معه ، وعندما سمعوا أن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، تقُل مرضه ، قرر أسامة والناس معه أن ينتظروا ما الله قاضٍ
في رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، حتى يطمأن الناس من الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،بخير وأنه قد أجتاز مرضه ، فقد كانت قلوب الناس الذين همّوا بالخروج مع أسامة بن زيد ، في هذه الغزوة إلي أرض فلسطين ، معلقة بالحبيب المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) ، وما سيحدث له...
ابتداء شكوى الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
ورد عن أبن إسحاق أنه قال :
فينما الناس على ذلك الحال من الانتظار والخوف على ما يصير أليه حال الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، أُبتدىء يشكوا من مرضه الذي قُبض فيه ، وكان ذلك في ليالٍ بقين من صفر ، أو في أول شهر ربيع الأول ، فكان أول ما أُبتدىء به من ذلك فيما ذُكر لي ، أنه خرج إلي بقيع الغرقد ، من جوف الليل ، فأستغفر لهم ثُمّ رجع إلي أهله ، فلمّا أصبح أُبتدىء من يومه ذلك في شكواه من المرض ، وعن أبي مويهبة ...
( مولي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، أنه قال:
بعثني الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم) ، من جوف الليل فقال لي :
( يا أبا مويهبة إني قد أُمرت أن أستغفر لأهل البقيع الغرقد ، فأنطلق معي ) ... فانطلقت معه ، فلمّا وقف بين أظهرهم قال :
( السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنىء لكم ما أصبحتم به مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المُظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخر أشر من الأول ، يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدينا والخلد ، ثُمّ الجنة ، فخُيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة ) ...
فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فخذ مفاتيح خزائن الدينا والخلد فيها ثُمّ الجنة ، فقال لي :
( لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنة ) ....
ثُم أستغفر لأهل البقيع ثُمّ أنصرف ،
فبدأ برسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،
الوجع الذي قُبض فيه .....
تمريضه في بيت السيدة عائشة ( رضي الله عنها )
عن عائشة ( رض الله عنها ) أنها قالت :
رجع الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، من البقيع ، فوجدني وأنا أتألم من صداع في رأسي ، وأنا أقول : و رأساه ، فقال لي :
( بل أنا والله يا عائشة ورأساه ، وما ضرك يا عائشة لو مُتِ قبلي ، فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك )......؟
فقلت :
والله لكأني بك ، لو فعلت ذلك ،....
لقد رجعت إلي بيتي فأعرست ( تزوجت امرأة أخرى ) فيه ببعض نسائك ، فتبسم الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ...
( هذه هي الزوجة المسلمة المحُبة لزوجها ، والحريصة عليه وعلي صحته ونفسيته وتعبه وهو في أشد حالات المرض والسقم ، فتبدأ بإدخال البسمة عليه وإشعاره بالبهجة وتهوين الأمر عليه .......
فهذه السيدة الفاضلة العظيمة أُم المؤمنين ،
وهي تمازح النبي الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ولا عجب حينما قال عنها إنها من أحب زوجاته إلي قلبه بعد ...
السيدة خديجة ( رضي الله عنها ))....
وتستمر السيدة عائشة ( رضي الله عنها )، وتقول:
وأستمر به وجعه وأخذ يدور على نسائه ، حتى إشتد عليه وجعه وغلبه على نفسه ، وهو في بيت ميمونة ، فدعا نساءه فأستأذنهن في أن يُمرّض في بيتي ، فأذنوا له ،
وزوجاته الآتي استأذن منهن ليُمرّض عند عائشة
( رضي الله عنها )، هُنّ:
( 1 ) سودة بنت زُمعة ( رضي الله عنها )
( 2 ) زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية ( رضي الله عنها )
( 3 ) أُم سلمة بنت أبي أُمية بن المغيرة المخزومية
( رضي الله عنها )
( 4 ) حفصة بنت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنهما )
( 5 ) أُم حبيبة ( رملة ) بنت أبي سفيان بن حرب
( رضي الله عنها )
( 6 ) جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية
( رضي الله عنها )
( 7 ) صفية بنت حُيى بن أخطب ( رضي الله عنها )
( 8 ) ميمونة بنت الحارث ( رضي الله عنها )
( 9 ) زينب بنت خزيمة بن الحارث ( أُم المساكين )
( رضي الله عنها )
وسوف يتم ذكرهن بالتفصيل لاحقاً إن شاء الله تعالي .......
والحديث هنا لعائشة ( رضي الله عنها ) ، حيث قالت :
فخرج الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
يمشي بين رجلين من أهله أحدهما :
( 1 ) الفضل بن العباس
( 2 ) علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه )
فأسندوه ،وقد أشتد به وجعه ، وقال لهم رسول الله
( صلي الله عليه وسلم ) ،:
أهرقوا علىّ سبع قرب من آبار شتىّ ، حتى أخرج على الناس فأعهد إليهم ......
فأقعدناه في إناء كان يغتسل فيه ، وكان لحفصة بنت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنهما ) ثُمّ صببنا عليه الماء ، حتى طفق يقول :
( حسبكم .... حسبكم) .....
كلمة الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
واختصاص أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) بالذكر
ثُمّ خرج الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، ثُمّ بدأ بالكلام ، وأول ما تكلم به انه صلي على أصحاب أُحد ، وأستغفر لهم ، فأكثر الصلاة عليهم ثُمّ قال:
( إنّ عبداً من عباد الله ، خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فأختار ما عند الله )
ففهمها أبو بكر ( رضي الله عنه ) وعرف أن الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، سيلتحق بالرفيق الأعلى ،فتألم لهذا الأمر وشعر بأن الحبيب المصطفي سيلاقى ربه ، وسيتركهم لهذه الدنيا الفانية ،فما كان منه إلاّ أن بكى وقال وهو ينظر للحبيب المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) ، :
بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ....!!!
فقال له الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،:
( على رسلك يا أبا بكر .... أنظروا هذه الأبواب ، النافذة على المسجد ، فسدُّوها ، إلاّ بيت أبي بكر ، فأني لا أعلم احداً كان أفضل في الصُحبة عندي يداً منه ، وأني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً ، لأتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صُحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده ....يا معشر المهاجرين ، استوصوا بالأنصار خيراً ، فإن الناس يزيدون ، وإن الأنصار على هيئتها لاتزيد ، وإنهم كانوا موضع ثقتي وسرّي ، التي آويت إليها ، فأحسنوا إلي مُحسنهم وتجاوزوا عن مُسيئهم ) ....
ولمّا إشتدا المرض برسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، قال في حق أبو بكر الصديق( رضي الله عنه ) :
( مُروُا أبا بكر فليصل بالناس ) ، فقالت عائشة ( رضي الله عنها ) : يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ، وضعيف الصوت وكثير البكاء إذا قرأ القرآن ، فردّ علىّ الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، وقال:
( مُروه فليصل بالناس ) .... فكررت ما قلته سابقاً من أن أبو بكر ضعيف الصوت وكثير البكاء ورقيق ، فقال :
( إنكن كصويحبات يوسف ، فمروه فليصلِ بالناس ) ...فقلت: فو الله ما قلت ذلك عن أبي بكر ، إلاّ إني كنت أُحب أن يُصرف ذلك عن أبي بكر ....
، فعرفت أن الناس لا يحبون رجلاً قام مقام الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، وإن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان ، فكنت أُحب أن يٌصرف ذلك عن أبي بكر ...
ثُمّ خرج إلي الناس وهم يصلون ، فرفع الستر وفتح الباب وقام على بابي ، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم ،
برسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، حين رأوه ، فقد فرحوا به ، فأشار إليهم أن أثبتوا على صلاتكم ...
وما رأيت رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) أحسن هيئة من تلك الساعة ، ثُمّ رجع وأنصرف الناس وهم فرحون ويرون أن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،قد بُرىء من وجعه . وحدث أيضاً في أحد الصلوات ، أنه سمع تكبير عمر بن الخطاب
( رضي الله عنه ) في الصلاة ، فقال:
( أين أبو بكر ...؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ) ....!!
فقال عمر ( رضي الله عنه ) :
إن أُستخلف أبا بكر ، فقد أُستخلف من هو خير مني ، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ....
وحدث أن خرج الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) يوم الاثنين عاصباً رأسه من شِدة الصداع ، إلي صلاة الصُبح .
وأبو بكر ( رضي الله عنه ) يصلي بالناس ، فلمّا خرج إليهم ، فرح الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لا تفعل ذلك إلاّ لرؤيتهم لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، فنكص عن مُصلاه ( تزحزح ) قليلاً ليترك المجال للحبيب
المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) ، ليُكمل الصلاة ....
فرفع الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،....
يده الكريمة ووضعها على ظهر أبوبكر وقال له :
( صلِّ بالناس ...!!! ) .....
ثُمّ جلس عن يمين أبو بكر فصلىّ قاعداً من شِدة المرض ، فلمّا فرغ من صلاته رجع إلي بيته ...
فهل يكفي أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، شرفاً وإكراماً ورضيً ، أكثر من أن يصلي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،ورائه من دون خلق الله ..........!!!!!!!!!
وفي قول لعبد الله بن زُمعه بن الأسود أنه قال:
فلمّا ثقُل المرض برسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،وأنا عنده في نفر من المسلمين فقال له بلال ( رضي الله عنه ) : الصلاة يا رسول الله ، فقال له :
( مروا من يصلي بالناس) ..
فخرجت ، والحديث هنا لعبد الله بن زُمعة ، فإذا عمر بالناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت: قُم يا عمر فصلّى بالناس ، فقام عمر ، فلمّا كبّر ، سمعه الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، وكان صوته جهورياً ، قال:
( فأين أبو بكر ...؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ... يأبى الله ذلك والمسلمون ) .....فبعثوا لأبي بكر ، فجاء ، وبعد أن صلىّ عمر بالناس قال لي:
ويحك ماذا صنعت بي ...؟ يأبن زُمعة ، والله ما ضننت حين أمرتني أن أُصل بالناس ، إلاّ أن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، قد أمرك بذلك ...!!! ولولا ذلك ما صليت بالناس....
فقلت له : والله ما تقدمت للصلاة ، فقلت له :
والله ما أمرني رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، بذلك ، ولكني لم أر أبو بكر ، ورأيتك أحق من حضر للصلاة بالناس فأمرتك .....
وبهذا المقام الرفيع الذي يتمتع به الصحابي الجليل أبي بكر الصديق
( رضي الله عنه ) ، وهذا القُرب المُميز من حضرة الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ،لهو من أقوي الأدلة التي تُشير إلي أن هذا المقام الرفيع لم يأتي إعتباطاً ، أو مجاملتاً له ، بل أتى من ثمرة الأيمان الخالص بالله وبتصديقه لصاحبه الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، حتى لُقب بالصدِّيق ، ويكفيه أيضاً أن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،قد قال في حقه:
( لو وزِن إيمان أبي بكر ، ووزن إيمان الأمة ،
لرجحت كفة أبي بكر ...!!! ) .
فهل بعد ذلك مجال للذين يشككون في مقام هذا الصحابي الجليل ، ويشككون في بقية الصحابة الكرام ، فهم بالفعل كما قال الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، عن أصحابه:
( هم كالنجوم ) .....
اليوم الذي قُبض الله فيه النبي الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) أنه قال:
أنه لمّا كان يوم الأثنين ، الذي قُبض فيه رسوله الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، قرّب رأسه من باب المسجد ،
ورفع صوته قائلاً:
( أيها الناس ، سُعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المُظلم ، وإني والله ما تمسَّكون علىّ بشيء ، إني لم أُحِلَّ إلاّ ما أحله القُرآن
ولم أُحرم إلاّ ما حرّمه القُرآن ) ..
ثُمّ فرغ من كلامه .
فأبتهج أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) واطمأنا عندما رأى الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، وهو يحدث الناس ،فأستأذن منه للخروج لأهله ، وكان قبل ذلك لا يفارق الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،وهو في حالته تلك ، فلمّا اطمأنا لحاله قال له :
يا نبي الله إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تُحب ، واليوم يوم بنت خارجة ، آفأتيها ......؟ فقال له :
( نعم ) ..
ثُمّ دخل الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،وخرج أبو بكر لأهله ، والحديث هنا لعائشة ( رضي الله عنها ) حيث قالت :
رجع الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، في ذلك اليوم ، حين دخل من المسجد ، فأضطجع في حِجري .
فدخل علىّ رجل من آل أبي بكر ( أخوها محمد ) وفي يده سواك أخضر يستاك به ، فنظر إليه الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، في يده نظراً عرفت منه أنه يريده ، فقلت :
يا رسول الله أتحب هذا السواك ...؟ فقال
نعم ) ،....
فأخذته فمضغته له حتى لينتّهُ ، ثُمّ أعطيته أياه ، فأستاك به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ، ثُمّ وضعه جانباً ، فكان أخر عهد الرسول بهذه الدنيا ، هو ريقي الذي مضغت به السواك ، ثُمّ أحسست بأن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، يثقل في حِجري ، فتفحصت وجهه الكريم ، فإذا بصره قد شَخَصَ وهو يقول
( بل الرفيق الأعلى من الجنة ) .....
فقلت:
خُيرت فاخترت والذي بعثك بالحق ، وأسلم روحه الطاهرة لخالقها وصانعها ، فصلي الله عليك يا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )
في حين تجمع الناس والصحابة الكرام منتظرين أخبار الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم ) ، في خارج المسجد قلقين على صحته ، وقد علموا أنه يعاني من مرضه فكانوا ينتظرون من يخرج إليهم ليخبرهم ، كيف حال الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم )
خروج علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه )
بعد وفاة الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
وبينما هم كذلك ، فُتح باب بيت الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ،وخرج منه الصحابي الجليل علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ، حيث قال أبن إسحاق نقلاً عن عبد الله بن عباس أنه قال:
خرج يومئذ علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ، على الناس وقد تجمعوا خارج البيت ، من عند رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، فقال له الناس : يا أبا الحسن ،
كيف أصبح رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،.....؟
فقال:
أصبح بحمد الله بارئاً ، فأخذ العباس بيد علي بن أبي طالب
( رضي الله عنه ) وقال له :
يا علي والله أنت عبد العصا بعد ثلاث ، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،كما كنت أعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب ، فأنطلق بنا لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،لنعرف ما الأمر ، فدخلوا عليه فوجدوه قد فارق الحياة وأسلم روحه للخالق سبحانه وتعالي ...
موقف عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه )
عند سماعه بوفاق الحبيب المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) ،
فعندما توفي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،...
خرج عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وهو يصيح ويقول:
أن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، قد توفيّ وأن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،والله ما مات ، لكنه ذهب إلي ربه كما ذهب موسي بن عمران
( عليه السلام ) ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثُمّ رجع إليهم ، ووالله ليرجعنّ الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم) ، كما رجع موسي ( عليه السلام ) ، فليُقطِعنّ أيدي رجال زعموا أن الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم ) ، قد مات ،
موقف أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه )
عند سماعه بوفاة الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
وأقبل أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، حيث كان خارج المدينة ، فلمّا وصل إلي باب المسجد ، سمع الخبر ، ووجد عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يُكلم الناس ، فلم يلتفت إلي شيء ، حتى دخل على الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، في بيت عائشة ( رضي الله عنها ) ، فوجده مُسجي في ناحية البيت ، عليه ببرده ( يمنية ) .
فأقبل حتى كشف عن وجهه الكريم ، ثُم أقبل عليه ، فقبّله ثُمّ قال:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أمّا المؤته التي كتبها الله عليك فقد ذُقتها ، ثُمّ لن تُصيبك بعدها موته أبداً ، ثُمّ ردّ البُرده على وجهه الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،ثُمّ خرج ، فوجد عمر يكلم الناس ويتوعد ، من هول ما سمع ، فقال له بلسان المؤمن الثابت الراسخ والمُحب أيضاً لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، :
على رسلك يا عمر ، أنصت ، أيها الناس إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت ...
ثُمّ تلا هذه الآية :
( وما مُحَمّدٌ إلاّ رَسُول قَدْ خَلَتْ مِن قَبله الرُّسلُ أَفإنْ مَاتَ أو قُتِل إنقَلَبَتُمْ على أعقابِكُمْ ومَنْ ينقَلَبْ على عَقِبيهِ فَلَن يَضُرّ الله شيئا وَسَيَجَزى اللّهُ الشّاكِرين .....)
فقال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) :
والله ما أن سمعت أبا بكر تلا هذه الآيات ، حتى دُهشت ، فوقعت إلي الأرض وما حملتني رجلاي من هول المفاجأة ، عندها عرفت أن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، قد مات فعلاً .....
وما كان تصرف الصحابي الجليل عمر بن الخطاب
( رضي الله عنه ) ، في هذا الموقف ،
إلاّ من فرط حبّه للرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، وأيضاً عمل الصدمة الأولي ، في الفاجعة التي فُجع بها هو الصحابة الكرام في موتالحبيب ( صلي الله عليه وسلم ) ،
وهي اللحظة التي لا يسلم منها أي بشر ، حينما يتلقون خبر عن أعز شخص لديهم ، فما بال أشرف المخلوقات على الإطلاق ، فهذا الذي جعل عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) .
والمعروف عليه أنه قوي في الحق ولا يهادن في الله أحد ،يصيح ويقول ويتوعد من يقول أن الحبيب المصطفي
( صلي الله عليه وسلم ) ،قد مات وأنتقل من هذه الدنيا ، وأنهم لم يعد باستطاعتهم رؤيته والتحدث إليه وحل مشاكلهم ، كل هذه الأمور ، جعلته لا يُصدق ما سمع ...
وفي هذه الحالة ، لا يعد عدم تصديقه بوفاة الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، عن قِلة إيمان أو ضعف في ما يعتقد ، ولكن الذي حصل ، هو أن الصدمة الأولي قد عملت عملها في عقلعمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، ...
وهذا الأمر لم تستمر طويلاً ، فكان علاجها هو سماع القرآن والرجوع لله سبحانه وتعالي ، في مثل هذه المواقف والحالات ، فعندما سمع القرآن من فم الصحابي الجليل والصديق للرسول
( صلي الله عليه وسلم ) ،من أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، استفاق من صدمته وأسترجع وقال إن لله وإن إليه راجعون
ولم يتم دفن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،يوم الاثنين ، أي اليوم الذي قُبض فيه ، بل دُفن يوم الثلاثاء ، بعد أن بايع المسلمون الصحابي الجليل أبو بكر الصديق خليفة
لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، خلافة دنيوية ، أي لقضاء حوائج الناس وإصلاح شأنهم
وقبل أن تتم عمليه دفن الحبيب المصطفي محمد
( صلي الله عليه وسلم ) ، وجب على المسلمين أن يننظروا في من سيخلف الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم ) ، وستكون هذه الخلافة هي خلافة دنيوية ، وذلك لقضاء حوائج المسملين ، وقيادتهم في ما يختص بشئون حياتهم ، وبشئون الإسلام وإنتشاره والمحافظة عليه من الأعداء المتربصين به في كل لحظة
وهذا الأمر وفي مثل هذه الحالات ،يعتبر ، اختيار الذي سيتولى تسيير الأمور قبل أن يتم الدفن ، يعتبر صحيح وذلك لتستمر عجلة النظام دائرة بدون مشاكل .
بالإضافة لأهمية وجود الخليفة في مثل هذه الظروف ، خوفاً على التمرد والارتداد عن الدين ولإحداث مشاكل ، التي كانت مخفية ، لاستحالة إثارتها ، وذلك لوجود الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، بينهم ،
فتمّ تأجيل دفن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، إلي حين اختيار خليفة لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ..
.وسوف نلاحظ حدوث بعض المشاكل واختلاف الرأي في عملية اختيار من سيكون الخليفة المنتظرللرسول
( صلي الله عليه وسلم ) ، ولكن للأسف ، لو أخذ الذين أحدثوا المشاكل ، برأي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
عندما كان حياً وعلى فراش الموت ، عندما ألحّا على الصحابي الجليل أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) في الصلاة بالناس ومقامه الرفيع عنده ، لفهموا من سيكون الخليفة بعده ، ولكن غلبة النفس وظهور بعض النعرات العشائرية القبلية والشخصية
أحالت دون الأخذ برأي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) في بادي الأمر ، وسوف يتم توضيح بعض هذا المشاكل التي حدثت في عملية الأخيار ....
مشكلة اختيار خليفة لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وبيعة
أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) قبل دفنه
( صلي الله عليه وسلم )
قال الدكتور عبد العزيز سالم
الأستاذ المساعد في الأزهر الشريف وصاحب كتاب تاريخ الدولة الإسلامية :
لم يتم اختيار أبي بكر الصديق خليفة لرسول الله
( صلي الله عليه وسلم ) ، إلاّ بعد نزاع كبير بين المهاجرين والأنصار ، كاد أن يفتت وحدة المسلمين ، ويُصدع احدي المقومات الرئيسية التي قامت عليها الدولة العربية الإسلامية ، وهي ارتباط المسلمين برابطة المؤاخاة ، قد أنقسم المسلمون عند وفاة الرسول( صلي الله عليه وسلم ) ،...
إلي ثلاثة تكتلات أو فِرق ، كل فِرقة منها لها مُرشحها الخاص بها ، تؤيده وتآزره ، والفِرق التي اختلفت مع بعضها هي :
الفرقة الأولي:
وهي الأنصار ، الذين أيدوا وساندوا سعد بن عبادة .
والفرقة الثانية:
وهي المهاجرين ، وقد اجمعوا في نهاية الأمر على اختيار أبو بكر الصديق
( رضي الله عنه)
الفرقة الثالثة :
فكانت تتألف من الهاشميين مع فئة من الأمويين بالإضافة إلي طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام ، وكانت تميل وتؤيد إلي اختيار علي بن أبي طالب
( رضي الله عنه ) خليفة لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم )
فأمّا ( الفِرقة الأولي ) والتي تشمل الأنصار ، والذين أيدوا سعد بن عبادة الخزرجى ،....
فقد بادرت هذه الفِرقة بالاجتماع بعد وفاة الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، مباشرتاً ، في سقيفة بني ساعده ، ليبايعوا رئيسهم ( سعد بن عبادة ) بالخلافة ، وكانوا يرون أنهم على حق وأحق الناس بالخلافة من المهاجرين ، وذلك لسابقة الأنصار إلي الإسلام في نصرتهم وحمايتهم لرسول الله
( صلي الله عليه وسلم ) ،وأصحابه ، وإيوائهم لهم وجهادهم في سبيل الله ....
أمّا ( الفِرقة الثانية ) وهي من المهاجرين ،....
فقد أيّدوا أبا بكر الصديق ( رضي الله عنه ) لاعتبارات كثيرة وقوية ، فقد خصّهم الله بتصديق رسالة النبي الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، والأيمان به ، والمواساة والصبر معه على الشِدة من قومهم وإذلالهم وتكذيبهم إياهم
أما ( الفِرقة الثالثة ) وكان مُعضمها من الهاشميين ، فقد أيّدوا وساندوا على أن يكون علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) خليفة لرسول الله( صلي الله عليه وسلم ) ،لأسباب من أهمها أن أباه أبي طالب قام بحماية الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، من مشركي قريش ، وأيضاً أنه زوج أبنته السيدة الفاضلة فاطمة الزهراء ( رضي الله عنها ) ، وأنه أول من أسلم من الصبيان ، فكل هذه الأعتبارات ، أدت إلي ترشيح علي بن أبي طالب
( رضي الله عنه )...
، فعندما أجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعده ، اعتزلوا الهاشميين في بيت فاطمة الزهراء ( رضي الله عنها ) ، في حين المهاجرين مع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، إلي أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) .وعندما سمِع أبو بكر الصديق
( رضي الله عنه ) ، فزع فزعاً شديداً ، عندما علِم بانقسام الصحابة واجتماعهم ، فشعر بهول الأمر وخاف من أن تنقسم الأمة الإسلامية إلي فِرق وشِع تؤيد بعضها بعض ، وذهاب الوِحدة والتعاضد والتكامل ، فأقبل مُسرعاً في صُحبة عمر بن الخطاب
( رضي الله عنه ) ، إلي سقيفة بني ساعدة ، قبل أن يستفحل الأمر ، وتتكرس الفُرقة والتشرذم .....
فلقيا الصحابي ( أبو عبيدة بن الجراح ) فأنطلق معهما ، ثُمّ دخلوا السقيفة ، فوجدوا سعد بن عبادة مع نفر من الأشراف ، فأراد عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أن يتكلم ، في الأمر لأهل السقيفة ،فسبقه أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) في الكلام فقال:
أن الله جلّ ثناؤه بعث محمداً ( صلي الله عليه وسلم ) ، بالهدى ودين الحق ، فدعا إلي الإسلام ، فأخذ الله بنواصينا وقلوبنا إلي ما دعا إليه ، فكُنّا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً ، والناس لنا فيه تُبع ونحن عشيرة الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، ونحن مع ذلك أوسط العرب أنساباً ، ليست قبيلة من قبائل العرب إلاّ ولقريش فيها ولادة وأنتم أيضاً والله الذين آووا ونصروا ، وأنتم وزراؤنا في الدين ووزراء الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،وأنتم إخواننا في كتاب الله تعالي وشركاؤنا في دين الله عز وجل وفيما كنّا من سراء وضراء ، والله ما كُنّا خير قط إلاّ كنتم معنا فيه ، فأنتم أحب الناس إلينا وأكرمهم علينا وأحق الناس بالرضي بقضاء الله تعالي ،....
والتسليم لأمر الله عز وجل ، لمّا ساق لكم ولإخوانكم المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين ، فلا تحسدوهم وأنتم المؤثرون على أنفُسكم حيف الخصاصة ، والله ما زلتم تؤثرون إخوانكم من المهاجرين وأنتم أحق الناس أن لا يكون هذا الأمر واختلافه على أيديكم ، وبعد أن تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالي إليهم ، وإنما أدعوكم إلي أبي عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب ( رضي الله عنهما ) وكلاهما رضيت لكم ولهذا الأمر ،
وكلا هما له أحلّ ( يستحقونه )
فنهض عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ونادي بأحقية أبي بكر الصديق( رضي الله عنه )بالخلافة ، لعوامل منها :
( 1 ) صاحب رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،
في الغار ( ثاني اثنين )
( 2 ) ومنها أن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، أستخلفه على الصلاة بالمسلمين ، ومقدماً إياه على سائر الصحابة ..
( 3 ) تشديد الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،
تأكيده في مقام أبو بكر ( رضي الله عنه ) بالإمامة ،وقوله ،
عندما لم يجد أبو بكر للصلاة بالناس :
يأبى الله ذلك والمسلمون .....!!!
فلمّا سمعت الأنصار قول عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، وما قاله في حق أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، اقتنعت بأحقية توليه الخلافة ، ولكن بطريقة رآها الأنصار ، وهي أن يتم اقتسام الخلافة بين المهاجرين والأنصار
( خليفتين في نفس الوقت ) ، فقام أبو بكر الصديق
( رضي الله عنه ) ، وأبرز دور المهاجرين في تمكين الدعوة الإسلامية وصبرهم على الشدائد والاضطهاد ، ثُمّ وضع الأنصار في منزلة تلي منزلة المهاجرين ، لأنهم هم الذين نصروا النبي الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،وأصحابه على الكافرين من أهله وذويه ، وإذا جاز للمهاجرين أن يكونوا أمراء فلا بد أن يكون الأنصار لهم وزراء ، لا يتصرفون في أمر من الأمور إلاّ بمشورتهم ، ولكن هذا الرأى لم ينل إستحسان الأنصار ، فأنطلق رجل منهم وهو ( الحباب بن المنذر بن الجموح ) يحرض قومه من الأنصار ، في التمسك بحقهم في الخلافة ، فهم في رأيه أهل العز والثروة والعدد والنجدة وهم أهل الإيواء وأصحاب الدار ، وإليهم كانت الهجرة ، ثُمّ أقترح أن يكون للخلافة أميرين واحد من الأنصار وواحد من المهاجرين ، ....
فردّ عليه عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وقال له :
أن السيفين لا يمكن أن يجتمعا في غمد واحد ، وإن الخلافة لا بد من حصرها في أولياء النبي الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، وعشيرته .
فأحتدم النقاش والجدل بين المهاجرين والأنصار ، وكاد الموقف أن يتأزم ، لولا أن قام ( قيس بن سعد الخزرجى ) وفي رواية أخرى ( بشير بن سعد ) ، مدفوعاً بالغيرة من ترشح يهد بن عبادة ، فأيد المهاجرين في حقهم ، ودها قومه إلي ترك النزاع ونبذ الخلاف وعدم التطاول على قريش في حق من حقوقهم ، فهم أحق بميراث النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ،وتولي سلطانه ، ثُمّ تقدم أبو بكر مستغلاً الموقف الذي تحول لصالح المهاجرين ، فدها المسلمين إلي مبايعة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أو أبو عبيدة بن الجراح ( أمين الأمة ) ، ولم يطلبها لنفسه ...!
ولكن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أبى إلاّ أن يتولى
أبو بكر الصديق( رضي الله عنه ) الخلافة ،
لأنه في رأيه أفضل منه أن يبسط يده ليبايعه ، فتقدم لمبايعته فسبقه بشير بن سعد ، فتقدموا الأوس لمّا رأوا بشير بن سعد يبايع أبو بكر ( رضي الله عنه ) بمبايعة أبو بكر ، وأقبل الخزرج على إثر ذلك يبايعون أبا بكر ( رضي الله عنه ) من كل جانب ، باستثناء سعد بن عبادة الذي أصرّ على موقفه وضل ممتنعاً عن مبايعته ، حتى وفاته ، ....
فلمّا تولي عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) الخلافة ، رحل سعد بن عبادة إلي الشام حيث توفي هناك ، ثُمّ أقبلت قبيلة أسلم ،...
فبايعة أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، فتقوى أبو بكر بهم ، وفي اليوم التالي لهذه البيعة الخاصة ، ...
بويع أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) بالخلافة البيعة العامة ، فصعد على المنبر وتأهب لمخاطبة جماهير أهل المدينة ، فسبقه إلي الكلام صاحبه عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، فحمد الله وأثني عليه ثُمّ قال في جملة ما قال:
( وأن الله قد أجمع أمركم على خيركم ، صاحب رسول الله
( صلي الله عليه وسلم ) ، ثاني أثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوه ) ، فقاموا الناس فبايعوا أبو بكر الصديق
( رضي الله عنه ) البيعة الثانية بعد بيعة السقيفة ، ثُمّ قام أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) فخطب في الناس قائلاً :
( أمّا بعد أيها الناس فأني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فأن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوّموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوى عندي حتى آخذ له حقه ، والقوي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله ، فأنه لا يدعه قوم ، إلاّ ضربهم الله بالذُل ، ولا تشيع فاحشة في قوم إلاّ عمّهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فأن عصيت الله ورسوله ، فلا طاعة لي عليكم ) .
أمّا علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ، فقد أمتنع عن مبايعة أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) هو وجماعته من الهاشميين ، ومعهم الزبير بن العوام ، حيث تخلفوا في بيت فاطمة الزهراء ، فخرج إليهم عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، في جماعة من الصحابة ، وأرغموا بني هاشم والزبير بن العوام ، على مبايعة أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ،.....
ثُمّ استقدم علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) إلي أبو بكر الصديق
( رضي الله عنه ) وطُلب منه المبايعة ، فأمتنع بحجة أن أبا بكر أغتصب الخلافة منه غصبا ، وإن الخلافة لا تخرج من آل بيت الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم ) ، ومن عشيرته ،
ولم يبايع علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) أبو بكر
( رضي الله عنه ) ، إلاّ بعد أن توفيت فاطمة ، فبايعه خوفاً من حدوث فتنة بين جماعته وجماعة الصحابة الآخرين ......
جهاز رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ودفنه
( 1 ) تغسيله ( صلي الله عليه وسلم ) و كفنه
قال أبن إسحاق :
فلمّا بويع أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، أقبل الناس على تجهيز جهاز رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) .
وكان ذلك يوم ( الثلاثاء ) ثاني يوم من وفاته ،واستعدوا لغسله ، فاختصوا بغسله كلاً من :
( 1 ) العباس بن عبد المطلب
( 2 ) علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه )
( 3 ) ( شُقران ) مولي رسول الله ( صلي الله عليه وسلم )
( 4 ) أُسامة بن زيد ( رضي الله عنه ) .
وبمساعدة كلاً من :
( 1 ) أوس بن خولي ( الخزرج ) .
( 2 ) قُثم أبن العباس بن عبد المطلب .
فنهض إليهم ( أوس بن خولىّ ) من الخزرج ،
وقال لعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) :
أُنشدك الله يا علي حظاً
( أي أُشركني معكم في غسله ) من رسول الله
( صلي الله عليه وسلم ) ،
وكان أوس من أهل بدر ،
ومن أصحاب رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، فقال له علي :
أدخل ، فدخل وجلس وحضر غسل الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) .......
وقالت عائشة ( رضي الله عنها ) :
ولمّا أرادوا غسل الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،اختلفوا فيه فقالوا:
والله ما ندري أنُجرد رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، من ثيابه ونغسله كما نفعل بموتانا ، أو نغسله بثيابه ...؟
فلمّا اختلفوا ، ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلاّ ذقنه على صدره ، ثُمّ كلمهم مُكلم من ناحية البيت ، لا يدرن من هو ، حيث قال:
أغسلوا النبي وعليه ثيابه ، فقاموا لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، فغسّلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه والقميص دون أيديهم .
فأخذ علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ،
رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ،وأسنده إلي صدره ، وقام الفضل والعباس وقُثم يقلبونه معه ، وكان أُسامة بن زيد وشُقران ، وهما اللذان يصُبان الماء عليه وعلي بن أبي طالب
( رضي الله عنه ) يُغّسله ، وقد أسنده إلي صدره وعليه قميصه يدلكه به من وراء ثيابه ، ولا يلمس جسده بيده مباشرتاً وهو يقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، ما أطيبك حياً وميتاً..!!!
ولم يُرى من الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ،شيء مما يرى من الميت من خروج الخبث ، فلمّا فُرغ من غسل
رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) ، كُفِّن في :
ثلاثة أثواب ، ثوبين يمنيين وبُردة حِيبرة أُدرج فيها إدراجاً إلي القبر .......
( 2 ) دفنه ( صلي الله عليه وسلم ) ،
فلمّا انتهوا من غسله ( صلي الله عليه وسلم ) ،وتكفينه ، أرادوا أن يحفروا لرسول هذه الأمة ( صلي الله عليه وسلم ) ، قبراً يضُم جسده الشريف ، وكان أبو عبيدة بن الجراح ، شق الأرض ويحفر كما يحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهيل ، يحفر كما تحفر أهل المدينة ، فدعا العباس بن عبد المطلب ، رجلين وقال لأحدهما : أذهب إلي أبو عبيدة بن الجراح ، والرجل الآخر إلي طلحة بن زيد بن سهيل ، فكلفهما بحفر القبر.
وكان ذلك يوم ( الثلاثاء) اليوم الثاني من وفاته ( صلي الله عليه وسلم ) ، فاختلفوا الناس في المكان الذي سوف يُدفن فيه ، فمنهم من قال يُدفن في مسجده ، وقال الآخر يُدفن مع أصحابه
( رضوان الله تعالي عليهم ) ،.
حتى جاءت الأقدار بالرجل الذي أحبّه الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، والذي أكّد على صحة اختياره للصدّيق من دون الصحابة ( رضوان الله تعالي عنهم أجمعين ) في أن يكون هو إمام المسلمين من بعده ، وكان ذلك بتفويضه للصلاة بهم في مرضه ، في وجود الصحابة الكرام الآخرين .
فجاء الصديقّ ( رضي الله عنه ) ، وكعادته ، أبلغ في القول ، وحل الاختلاف الذي هم فيه في مكان دفنه ( صلي الله عليه وسلم ) ، فقال لهم القول الفصل ، في مكان الدفن :
ما قُبض نبي إلاّ دُفن حيثُ قُبض ....
فوافقوا علي ذلك ، ثُمّ رفع فراشه ( صلي الله عليه وسلم ) ، الذي قُبض عليه ، فحفر تحته ، فلمّا إنتهوا من حفر القبر وكان ذلك وسط ليلة يوم الثلاثاء
( ليلة الأربعاء ) .
وقالت عائشة ( رضي الله عنها ) :
ما سمعنا وما علمنا بدفنه ( صلي الله عليه وسلم ) ، حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء .....
أمّا الذين تولوا دفنه ( صلي الله عليه وسلم ) ، فهم:
( 1 ) علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه )
( 1 ) الفضل بن العباس( رضي الله عنه )
( 3 ) قُثم بن العباس
( 4 ) شُقران ( مولي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم )
وعندما وضِع الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ) ، في قبره .
قام شُقران ، بدفن قطيفة كان الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ) ، يلبسها في حياته ،فقام بدفنها معه وقال:
والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً ،....
وقد قيل بأن آخر قوله ( صلي الله عليه وسلم ) ) ، :
لا يُترك ( يجتمع ) بجزيرة العرب دينان .......
إفتتان المسلمون بعد وفاة
الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم )
فلمّا توفي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، عضُمتْ مصيبة المسلمون ، فكانت عائشة تقول: لمّا توفي الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، ارتدت العرب وأشرأب ( تطلعت ) اليهود والنصارى ، وظهر الشقاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، لفقد نبيّهم الرسول الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، حتى جمعهم أبو بكر الصديق
( رضي الله عنه ) ، بعد أن همّ أكثر أهل مكة بالرجوع عن الإسلام ...
حتى وصل الأمر بوالي مكة ( عتاب بن أسيد )، الذي ولاه الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) على مكة .
أن خاف على نفسه من الذين همّوا بالرجوع عن الإسلام ، فهرب ، فوقف رجل من رجال مكة كان له موقف في ما سبق مع الرسول الكريم( صلي الله عليه وسلم ) ،
ومع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، هو سهيل بن عمر ،فخطب في أهل مكة ، عندما علم أنهم على وشك الارتداد عن الدين الإسلامي الحنيف بعد وفاة الرسول الكريم
( صلي الله عيه وسلم ) وبعد أن فرّ والي مكة ( عتاب بن أسيد ) ، خوفاً على نفسه ، ومن تهديدهم بقتله والرجوع عن الدين ، فوقف هذا الرجل موقف ، كان الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ، يعلمه من قبل أن يحدث ، وكان ذلك عندما وقع سهيل بن عمر في الأسر ، فعفي عنه الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) إلاّ أن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أراد قطع رأسه ، فقال له الحبيب المصطفي النبي الكريم
( صلي الله عليه وسلم ) ، :
لا يا عمر ..عسى أن يقوم مقاماً لا تذِمَهُ ...!
فهذا هو المقام ، حيث وقف سهيل بن عمر ، وقفت رجل مؤمن بالرسول ( صلي الله عليه وسلم ) نبياً وبالإسلام ديناً ،بعد أن همّ الناس بالارتداد عن الدين ، فقال لأهل مكة بصوت قوي مؤمن ، لا يخاف في الله لومة لائم :
إن ذلك لم يزد الإسلام إلاّ قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه
( خاننا وأرتد ) ...
فتراجع الناس عمّا همّوا به ، فأستتبّ الأمن في مكة .....
فسمع الصحابي الجليل عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وما فعله سهيل بن عمر ، فتذكر قول الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ) ، له عندما همّّ بضرب عنق سهيل بن عمر ، عندما وقع أسير في بدر ، حيث قال له :
( عسى أن يقوم مقاماً لا تَذِّمّهُ ) .......
فصليّ الله عليك يا رسول الله صلاة دائمة بدوام مُلك الله ..........
أمّا وبعد أن انتهت سيرته ( صلي الله عليه وسلم ) ، الفعلية الشخصية التاريخية ، وأقصد هنا بالتاريخية ، وهو السرد التاريخي بوقائعه وأحداثه وشخصياته ، وجب أن ندخل مدخلاً آخر لسيرة الحبيب المصطفي محمد ( صلي الله عليه وسلم ) ، ونقف وقفة ونذكر بعض الأحداث والأمور التي مرت في حياته
( صلي الله عليه وسلم ) ،ولو بشيء من التفصيل ، لتزداد الفائدة ولتُتم الأحاطه بشخصيته ( صلي الله عليه وسلم ) ، من كل جانب ، لمعرفة أكثر عن هذا الرجل العظيم ، الذي يستحق بالفعل كلمة عظيم ، من أبسط أمر قد مرّ به في حياته وهو أكله وشربه ، إلي أكبر أمر ، وهو معجزاته ( صلي الله عليه وسلم ) .....
الي ذلك الوقت نتوقف قليلاً اخوتي الكرام
رواد السيرة العطرة للنبي الكريم صلي الله عليه وسلم دُرة العِطر...
ونواصل باذن الله استكمال الجوانب الاخري في سيرته
والتعريف بها
من خُلقه واخلاقه وماتميز به عن سائر خلق الله حتي الانبياء والمرسلينوايضاً التعرف علي بعض
من ممتلكاته الشخصية واموره التي كان يتعامل معها في حياته
صلي الله عليه وسلم وسيكون ذلك في
الجزء السادس من الفصل السابع
فالي ذلك الوقت اقول لكم بارك الله لي ولكم وج